جلست في
شرفتها شاردة ، تنظر إلى فنجاني قهوة أمامها وكأنها تحدثهما ، يتردد بصرها بينهما
وبين مقعده الشاغر، يدور بخلدها ذكرياتها الجميلة وقت خطبتها ... وقت أن كانا
يزرعان أحلامهما معا ...
ولم تكن
لتنسي حتي أصغر الصور التي رسماها ... ولو كانت لاحتساء القهوة ...
هي لم تكن
تحبها أو تستسيغها ، ولكنه كان مولعا بنكهتها ؛ فأحبتها من بعض حبها له ، وكثير من
الأشياء ارتضي قلبها أن ينفق عليها من حبه ؛ كي تستسيغها من أجله وأن تشاركه كل لحظاته
وحالاته.
قال لها
ذات مرة
-
اعلم أن القهوة مضرة ، ولكنها مضرة لذيذة أهواها
فقالت وهي
تميل عليه في رقة ميل الزهر إذا داعبه النسيم
-
ولكني سأمنعك من كل ضرر
-
لا بل ستشاركينني احتساءها
فابتسمت
قائلة
-
تريدني أن أشاركك ضررها ، أم لأبق بجوارك وبصحبتك
-
لا هذا ولا ذاك ، ولكن من لم يحسن تذوقها لا يحسن صنعها
فبهتت
ابتسامتها وانذوت ، فداعبها واعتذر أنه لم يقصد ما فهمته
-
حبيبتي إن كل أحلامي أن تشاركينني كل أوقاتي ، ولا أجد نفسي - لحظة - مفردا
دونك
فانفرجت
شفتاها عن ابتسامة رضا وقالت
-
إذن سأشاركك ، ولكن علىّ أنا أن أضع طقوسها وتنظيم مواعيدها ، بعد الغداء
كل يوم حين تشفق الشمس ، سيكون ذلك أرق وألطف.
فقال راضيا
-
وأنا لن أذوقها في عملي حتي أعود إليك
فقامت من
جلستها فقال
-
إلى أين ...؟
-
سأحضر فنجانين من القهوة ، ألا تري الشمس قد أشفقت وأذنت بالمغيب
ثم ابتسمت
بسحرها وأردفت قائله
-
وسيكون هذا أول فنجان قهوة في حياتي احتسيه لأجلك ...
اتصلت به
هاتفيا لتأخر حضوره ، لم تكن لتميز صوته لطرقعات ( الدومينو ) بجواره ، فسألته عن هذا
التأخير ، فأخبرها أنه بصحبة بعض أصدقائه في مقهي بجوار العمل ، وصل إلى سمعها انه
يطلب من النادل قهوة ...
انتهت
المكالمة ... وابتسمت ساخرة إلى قهوتها ، وقامت إلى مطبخها فأفرغتهما فيه ، ثم
رجعت إلى شرفتها تتأمل الطريق في شرود وعلى وجهها سحب الأسي والحزن ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق