الاثنين، 27 فبراير 2017

معركة المثقف والسياسي

لوحة لـ«تشارلز جابريل لمونير»، تمثل قراءة لمأساة ڤولتير: «يتيم الصين» (1755م)، في صالون مدام جيوفرين.

العداء بين المثقف والسياسي قديم أزلي، لا تخطئه في مرحلة من مراحل التاريخ الثوري أو حقب التنوير، فنحن نؤمن أن القلم أشد بأسًا من فوهة البندقية، أما السياسي فدستوره يتلخص في قول جوبلز: كلما سمعت كلمة مثقف تحسست مسدسي.

ذلك لأننا نناضل بسن القلم الذي نشعر بغربته أحيانًا في عالم غير متزن ونشعر ببعض غربته فينا؛ لذا سرعان ما ينهزم لكنه أيضًا سرعان ما يقوم ولا تنضب طاقته.
أما ندّنا فمبادئه أوهن من بيت العنكبوت، وانتصاره زيف ووهم؛ لأن صرير القلم أشد صممًا من صوت المدافع، ووقع كلماته أعنف من سقوط القنابل على الأرض المتهرئة.

ويظل الصراع بين المثقف والسياسي بقاء الإنسان على البسيطة، والاتفاق بينهما مستحيل، فلا يتفقان إلا عرفت أن فسادًا ما يستتر بين كفيهما المتصافحين. وما ذلك إلا لاختلاف الأهداف وتباين الرؤى وتضاد التوجهات.

والسياسي لا يُشترط أن يكون رجلاً ينشغل بالرأي العام، أو كاتب فذ، فإن السياسي إما أن يتمثل في نفاق بيّن لرجل مداهن للسلطة يدلس على العامة سياستها ويزيّن في أعينهم فسادها ويعطي التبرير والمسوغات لتلك السياسات الضارة، وإما أن يكون حزبًا مواليًا للسلطة على حساب مبادئه وأفكاره لاستمرار وجوده، وإما أن يكون السلطة ذاتها، وما السابق عليها إلا أذرع لها.

فالسياسي الذي يصل للسلطة ولم تُنجبه الأرض ولم يصل به الشعب إلى القصر إن تملّك مقاليد الأمور ودفة الحكم في بلد ولّى أشرعته تجاه أطماعه وطموحاته الشخصية، راسمًا عليها جمجمة وعظمتين متقاطعتين يخيف بهما الشعب إذا انتقد أو احتج.

وليس للشعب إن تبيّن فساد السياسي وكذبه إن خرج على السلطة أقل من الاعتقال أو الرمي بالرصاص في الميادين.

وهنا يعلن المثقف الحر عداءه سافرًا  بلا خجل أو حياء، ويتصدى لفساده الملون الزاهي، ويستخرج السم من قطرات عسله، فيطلق عليه السياسي أفاعيه فيتهمونه بالخيانة وبيع الوطن. حتى بعض الشعب المخدوع الذي ثار لأجله المثقف يكون أقرب السهام إليه وأسبقها إلى صدره.

والسياسي الذي يصل للحكم عنوة لا يعرف للحرية معنى ولا للديمقراطية قيمة، فهما ألد أعدائه طوال بقائه، ويحارب كل من يناصرهما وفي المقدمة المثقف الذي يؤمن بتلك القيم الغائبة عن قصور الرئاسة حولنا، وما ذلك إلا لأنه لو وُجِدت الحرية لما وصل إلى الحكم، ولو وُجِدت الديمقراطية لما استمر فيه.

لذا يعلن الحاكم عداءه سافرًا على كل المنافذ التي تنشر الوعي بين الشعب؛ فإما تواليه وتسبح بحمده، وإلا يغلقها ويشرد أهلها أو يعتقلهم، ولا ينزعج من اعتقال الأقلام ولا يهُزُّه غلق الصحف.

ومثل هذا السياسي الذي يصل للحكم بالتزوير أو بانقلاب عسكري يعمل دائمًا على تجهيل الشعب، وسد منافذ المعرفة وتشويه من ينطق بحقائق الأمور ويصف طبائعها دون تهويل سواء كانت أمجاد الحاكم وسياساته الزائفة أو المشاكل المعترضة للوطن.
فيظل السياسي على هذا النمط من كبت الحريات وتكميم الأفواه وسد منافذ المعرفة، ثم تعظيم مثل أو كيان أو مؤسسة في عيون الناس حتى يُرى ويُحسب أنه من الخيانة نقده أو الاعتراض عليه. وفي هذا الوقت يبرز المثقف بدوره فيناهض هذا النهج التضليلي، ويبين أن كل الكيانات في الدولة خاضعة للسلطة الحاكمة ولا تخضع السلطة الحاكمة والدولة جميعها تحت إمرة كيان أو مؤسسة أو فرد، مع وجوب أن السلطة لا تأتي عنوة أو قسرًا، ولكنها تنبت في صناديق الاقتراع وتتشكل برضاء الجماهير، فيكون الشعب هو مصدر السلطات والمانح لها.

لكن الحاكم يسير على ما يشبه القاعدة: كي تبقي لك السلطة ويستمر لك الحكم فعليك أن تُبقي الشعب داخل كهف أفلاطون، وهذا الكهف التخيلي لأفلاطون يصف معنى غاية في الوضوح لعمل السلطة في تغييب الجماهير حتى تظل ساكنة بلا حركة أو صوت.

قال في الجمهورية الفاضلة: عامة الناس مسجونون في كهف مظلم منذ الصغر ولقد قيدوا في هذا الكهف منذ ولادتهم وأداروا وجوههم إلى شاشة على جدار الكهف تنعكس عليها ظلال ما هو خارج الكهف من ضوء ينير عالمًا من الناس الذين يسيرون حاملين عرائس خشبية على أكتافهم.

ولمّا كان هؤلاء المسجونون لا يستطيعون أن يلتفتوا وراءهم، فإنهم يظنون الظلال التي يرونها على جدار الكهف حقائق ويتوهمون ما يسمعونه في خارج الكهف من أصوات أنها صادرة من هذه الأشباح، فإذا تمكن أحدهم من أن يخرج من الكهف ليرى الحقائق في الخارج وعاد هذا الرجل ليخبرهم أنهم واهمون فيما يظنونه حقيقة يسخرون منه وينكلون به.

وهنا تتلخص الأزمة وتبرز معالمها وتحد حدودها وتبدو سافرة على طاولة الوطن بينهما؛ إذ يعمل السياسي على بقاء الناس في ذلك الكهف، أعينهم على الحائط، يؤمنون بيقين لا يساوره شك بتلك الأشباح المتراقصة عليه. أما المثقف فيظل في كل ذلك ثابت الخطى، يعلن موقفه من ذلك بكل وضوح لا يشوبه غبش، سافرًا كصبح خرج من ظلام الليل مناديًا: أخرجوا من الكهف.

المتنبي وبودلير: التعساء دائما



قديمًا قال المتنبي:
 ذو العقل يشقى في النعيم بعقله
وأخو الجهالة في الشقاوة ينعمُ
وتلك ليست حالة عابرة وصفها المتنبي لأحدهم قابله وشهد حاله، لكنها تجربة حياتية متكررة أصبحت ما يشبه قاعدة إنسانية متوارثة ضمنيًا.

ولو قلّبت النظر حولك فلن تعدم إنسانًا بائسًا على درجة موفورة من العقل والرزانة والموهبة، لكنه دائمًا في آخر الصف الإنساني يكلّله الفشل والخيبة أحيانًا.

وذلك ليس عن عيب فيه، ولكن قدره أن سرت عليه طبيعة أزلية؛ أن الإنسان كلما كان أكثر عقلاً وحكمة نالت منه الكآبة والحزن والألم والفقر أحيانًا، وكأنها مقايضة من القدر أن كلما زيد في ذلك نقص من تلك، فيعيش ذلك الإنسان الأديب، أو المفكر، أو الفنان، يتلظى على ضوء جمرات متعددة مختلفة الألوان تُنضج إنسانيته ومبادئه الخاصة وتصقل فنه، وقد تخلق منه رجلاً تاريخيًا تستهدي به الأمم لحكمته التي صاغتها المأساة، وقد تجعل منه رجلاً تاريخيًا يستهدي بضوئه التعساء القادمون في رحم الغيب، ويجدون فيه السلوى والمأوى.

مع المتنبي

 

فالمتنبي الذي قال البيت السابق لم يكن عابثًا ولا يستعرض مخزونه اللغوي والبياني كما كان يفعل في صباه مع بدايات قرضه للشعر فيخطئ ويصيب، ولكن أغلب الظن أن ذلك البيت متأخر جدًا، وهو حصيلة حياة بكاملها يصلح أن يكون سيرة ذاتية لشاعر القرن الرابع بلا منازع.
والمتتبع لحياة المتنبي سيجد فيها الغموض المطبق، والهروب الدائم، ومحاولة إثبات شيء ما يشعر به ربما لا يكون فيه، ولكنه صوّره بعقله وآمن أنه خليق به.

ولعل أول خيوط المأساة التي شكلت طبيعة الرجل وشخصيته بعد بيئته الدامية التي ولد فيها هي تلك النفرة التي كانت بينه وبين أسرته وأهله، وتلك لا تُجهل؛ إذ أن الفنان أو الأديب أو المفكر أو صاحب الرأي أو «العاقل» كما نُعبّر عنهم هنا يصطدم بالأهل أول ما يصطدم، لذا فإن هذا الشقاق والنزاع والخلاف بينه وبين أسرته وإن كان لم يُذكر صراحة بطريقة إيجابية صريحة في شعره، إلا أن تجاهلها يثبتها، فمع أنه ملأ الدنيا مدحًا وذمًا إلا إنه لم يذكر أباه ولا أمه بشطر ولا كلمة ولم يفاخر بهم على الإطلاق، في الوقت الذي كان الشعراء يفاخرون بأنسابهم كجرير والفرزدق وغيرهم.

وذلك أرخى بظلاله على شعره وعلى موقفه بالناس، إذ نبتت الكراهية بصدره لهم، وأضمر الحقد تجاههم، ولعل ذلك ما يفسر حلّه وترحاله خلف الأمراء مادحًا كي ينال حظوة من السلطة ونصيبًا من الوجاهة ومنعة بالمال.

لكن المتنبي على ما وصل من أخباره فسيظل كما وصفه طه حسين «شخصية لم نستطع أن نفهمها ولا أن نحللها حتى الآن».

شارل بودلير

 

أفكار كثيرة قد تتفجر برأسك عند قراءة بودلير، ليس بودلير الشاعر فقط ولكن بودلير الإنسان أيضًا، ذلك العالم الصاخب المتلاطم بكل ما فيه من ألوان الكراهية والبغضاء والرضا والسخط والاغتراب والوحدة والألفة والانتماء.

فانتماؤه لفرنسا دفعه للخروج في ثورتها حاملاً بندقيته، ثم بعد مداهمة قصر التويليري مقر إقامة لويس فيليب، نادى بضرورة قتل الجنرال أوبيك زوج أمه.
لكن ذلك لا يعني ألا يلعن فرنسا ويحتقر شعبها حينًا من الدهر فيقول:
فرنسا تمر بمرحلة من السوقية، فباريس مركز وإشعاع الحماقة الكونية -الفرنسي حيوان أليف، مدجّن إلى حد أنه لا يجرؤ على عبور أي حاجز، انظروا إلى ذوقه في الأدب والفن، إنه حيوان من السلالة اللاتينية لا تزعجه القذارة في بيته، وفي الأدب هو آكل بُراز، إنه مولع بالغائط.
لذا لمّا حكمت المحكمة بمصادرة ديوانه (أزهار الشر) قال: «هذا الكتاب شهادة على قرفي وحقدي على جميع الأشياء».

ثم علاقته بأمه، تلك المرأة التي أحبها لدرجة الكراهية أو كرهها لدرجة العشق، وكان لزواجها بعد وفاة أبيه الأثر السيئ الأعمق في شخصيته حتى ضاق بالبيت وكرهه وارتحل.
ورزح في الدنيا ماجنا بما ورث عن والده، لكن أمه لم تتركه وما اختار لنفسه، فظلت تلاحقه بالدعاوى القضائية لتضعه تحت رقابة وصي وتكسبها حتى بعد وصوله سن الرشد القانوني، ليعيش بعدها كمتسول من الوصي الذي يمنحه مبلغًا من ميراثه كل عام لا يكفي، وتمر السنون وتُرفع الحصانة ويعود بودلير لحياته الأولى قبل فرض الوصاية، فترفع أمه قضية أخرى وتكسبها، ويضيق بالحياة فيقرر الانتحار، ويكتب ثروته لعشيقته جين لومييه في خطاب للسيد آنسيل الوصي القانوني، لكن ما يعنينا في هذا الخطاب هو سطر يوضح الكثير مما حل بعقل الرجل فيقول «أما أنا فليس لي سوى جين لومييه، فلتطلعها على مثالي المخيف، وكيف أن فوضى العقل والحياة أفضيا بي إلى يأس كئيب أو إلى فناء تام».

لكن المتغير والمختلف في شخصية بودلير أنه كان يدرك طبيعة نفسه وما يطرأ عليها، كان يرقبها ويتفهم ما تمر به، ربما لم يصارح نفسه يومًا ما أو حتى يظن أنه مريض نفسي، لكنه كان رقيبًا لا يجهل ما يحدث بداخله من تحول وتطور في الأفكار والسلوك والانطباعات عن نفسه وحياته ومجتمعه وزمنه، فيقول كاشفًا بعضًا من غموض شخصيته:
إنني أتمتع بإحدى الشخصيات المحظوظة التي تستمد البهجة من الكراهية، والتي تتمجد في الاحتقار، ومزاجي المولع -بصورة شيطانية- بالحماقة يجعلني أجد ملذات خاصة في تحريف البهتان، طاهرًا كما الورق، بسيطًا كالماء، مدفوعًا إلى الورع مثل مقدمة القربان، غير مؤذٍ كضحية، لن يزعجني أن أُدعى ماجنًا، سكيرًا، ملحدًا وقاتلاً.
إن حياة بودلير من الحيوات الإنسانية الثرية الجديرة بالتوقف والتأمل وقتًا أكثر من ذلك بكثير، ولو أردنا الوقوف عند محطات مأساته لطال بنا المقال، لكننا نوجزها في أمه بداية وفي الموقف السيئ المتبادل بينه وبين المجتمع الفرنسي، وحالة الاغتراب التي صاحبته دائمًا.

والغريب أنه على ما كان بينه وبين أمه من عداوات أثرت بنفس الشاعر الكبير إلا أنها كانت الصديقة الوحيدة التي كان يشاطرها حياته دائمًا عبر خطاباته المتوالية حاكيًا لها ما يحدث فيها، فيخبرها عن علاقاته النسائية أولاً بأول سواء كانت شرعية أو غير شرعية، وعن آرائه الأدبية، ونظرته للمجتمع والحياة.

وفي حياته عمومًا تمثلت المأساة بكامل وجوهها، فهي حياة كللتها الصعاب، ليست كالصعاب التي قد نتوقعها بداهة كالفقر وإن كان الفقر ملازمة أبدية كونية لكل ذي عقل أينما كان ووقتما وجد، ولكنها صعاب فكرية في المقام الأول.

نجيب الريحاني


لعل ابتسامة ارتسمت على شفتيك الآن وأنت تقرأ هذا الاسم، معك حق فنجيب الريحاني رائد من رواد الكوميديا والدراما والتراجيديا سواء في المسرح أو السينما،  وصدق من وصفه في وقته «لا تتمالك أن تراه حتى تضحك، ولو من تكشيرته ووجهه المكفهر».

أما أنا فلا، لست دائمًا أضحك من الريحاني إلا إذ تغافلت عن نظرة الحزن التي تفيض بها عيناه، وذاك الهم المتعلق بأشفاره.
فالحياة القاسية التي عاشها ظلت آثارها على ما يبدو تلازمه حتى بعدما خفّت وطأة الحياة.

إن حياة الريحاني شبيهة إلى حد ما بما ذكرناه من شأن بودلير سابقًا، فالصدام الأول بدأ في البيت؛ نشب عنه صراع مع الأم أدى إلى خروجه ورحيله متنقلاً بين محافظات مصر، أو مشردًا بالقاهرة.

كان يحب الفن إلى درجة التقديس، وللفن حفظ أشعار المتنبي ولزوميات أبي العلاء ومسرحيات شكسبير، وكان يقف بالبيت يردد بصوت جهوري حتى يضج البيت بمن فيه وأولهم أمه التي تخجل من التمثيل وتأنف أن يكون ابنها ممثلاً، فضلاً عن أنهم يعدّونه ليكون موظفًا.

لكن الريحاني أصر ومضى في طريق الفن منقادًا بخطامه ولا يحيد عنه، متحملاً في سبيله أن ينام على الرصيف، ويطوي الشوارع ليلاً هربًا من الجوع أو تسلية لبطنه الخاوية وجيبه الفارغ.

وفي حياة الريحاني لا يمكنك الجزم أن الريحاني التبس بالفن أم الفن الذي التبس به، وعلى مدار حياته ذات التعرّج والاستقامة، والارتفاع والانخفاض، والرخاء والتقشف، ربما يساورك أن في هذا الفن سحرًا جعله يتحمل كل تلك الفوضى، وهذا الألم وهذا التشرد، حتى أنه في نهاية المطاف ليعترف أنه «خرج بصديق واحد، صديق هو كل شيء، هو المحب المغرم الذي أبادل وإياه الوفاء الشديد والإخلاص الأكيد .. ذلك الصديق هو عملي».

حتى اللعنات لها طقوسها الخاصة وشريعتها المختلفة، يحدثنا صديقه المخلص الأستاذ بديع خيري «أن الريحاني كان يقدس فنه ويحترمه، وكان يكره الاتجاه الذي كان سائدًا في تلك الأيام والذي يدفع الممثل إلى تعاطي الخمر أو المكيفات قبل الصعود إلى خشبة المسرح على زعم أن الخمر تشجع الممثل على مواجهة الجماهير وتقوي أداءه، ولم يحدث في حياة الريحاني أن شرب كأسًا من الخمر قبل التمثيل، وكان من فرط احترامه لفنه يعتكف في غرفته بالمسرح قبيل التمثيل بنصف ساعة على الأقل، ولا يسمح لإنسان -مهما تكن الظروف- أن يعكر عليه عزلته المقدسة».

وتلك الحالة المقدسة لم تكن فقط قبيل التمثيل، ولا أثناء تأدية الدور بعمق ورصانة على المسرح، بل تمتد إلى ما بعد النهاية حيث ينزل الريحاني وكأنه راهب كان يلقي موعظة سواء أكانت موعظة كوميدية أو تراجيدية، ومن ثم فالواعظ لا يتقبل الإعجاب ولا الشكر على ما قدم.

يضيف بديع خيري أنه عندما يسيطر أداء الريحاني على مشاعره ويضطره لإبداء إعجابه بصديقه كان ينهاه ويشبه نفسه «بالعابد القانت الذي يسعى إلى التقرب إلى الله دون أن يراه، وأن الممثل الأصيل لا بد أن يسعى إلى الكمال المطلق، ويظل يسعى طوال حياته للوصول إلى هذا الكمال دون أن يراه أو يصل إليه».

وهذا الكلام يفصح جانبًا من شخصية الريحاني بجوار المؤلف والروائي والمترجم والسينمائي؛ ألا وهو الريحاني الفيلسوف، وهذا شأن الفنانين الحقيقيين الذين صهرتهم الحياة، وأُنضجوا في أتونها.

حتى بديع خيري نفسه كتب أكثر مسرحياته ضحكًا وهو على فراش المرض بالمشفى بين الشاش واليود بعد إجرائه عملية جراحية خطيرة.

لكن قبل أن نرحل عن الريحاني ومن ثمّ نختتم مقالنا، بقي لنا أن نذكر موقف والدته بعد نجاحه وشهرته وذيوع صيته، وهي التي كانت تقلل من شأنه وتحتقر التمثيل، يذكر الريحاني أن أمه كانت بإحدى عربات المترو عائدة إلى المنزل فسمعت بعض الركاب يتحدثون في بعض الشئون الفنية وورد خلالها اسم نجيب الريحاني، فاقتربت منهم وأرهفت لهم أذنها، وكانت دهشتها لمّا سمعت ثناءهم ومدحهم لنجيب الريحاني، فوقفت وسط العربة وقالت بأعلى صوتها: «الراجل اللي بتتكلموا عنه ده يبقى ابني، أنا والدة نجيب الريحاني الممثل».

فلأي مدى تصدق عبارة «أصحاب العقول في راحة»، إن العقل في الفنان مأساة ذاتية يشاركه فيها بعض من على شاكلته من الفنانين حول العالم، لكن الجمهور يجني ثمرة هذه المأساة إما ضحك أو حزن أو متعة من قراءة دون أن يعرف ما وراءها، ثم عطف عليهم العقل فلم يشأ أن يذهبهم في الدروب ممزقي الثياب شعثاء الرؤوس واللحى، فاختار لهم نوعًا من الفن ألبسهم إياه ليتعللوا به في الحياة ويستتروا به.

الأربعاء، 22 فبراير 2017

رواية أغصان عارية




"أما شفتاكِ فهما في عيني كبريق القمر في ليلة شاتية غارت نجومها ، أو كزهرة تتفتح بأحضان الربيع ناثرةًعبيرَها ، وكأن بسمتها هي الدليل في الحياة أن لهموم العاشقين دواءً.
شفتان .. ما إن يتحركا مُؤْذِنتين بالكلام إلا رأيت لهما تمايُلًا كتمايُل الأزهار إذا داعبتها نسائم الأسحار ، ثم أتتبعُهما وأتلمح رونقهما ودقة حسنهما ، فلا أجد بين عينيي إلا خلافًا يمزق القلب ، أكان حديثها أجمل ، أم وهي تكتسي الصمت أنتظر ابتسامتها!
فأيُّ شعرٍ يصدق فيهما! وأيُّ كلماتٍ ترتقي لهذا الحُسن الساكن بينهما! وأيُّ عباراتٍ تُرفرف بمعانيهما الفاتنة في سماء الحب والعشق والجمال!
إنه السكوت فقط معلنًا العجز أمامهما.
ثم شفتاك في عيني أجمل وأجمل."

من روايتي  أغصان عارية الصادرة عن دار غراب للنشر والتوزيع بالقاهرة هذا العام.
متوافراة في:

القاهرة:
مكتبة مدبولي ميدان طلعت حرب
مكتبات الشروق(جميع الفروع)
مكتبة فكرة سيتي ستارز
عمر بوك ستور وسط البلد
مكتبة ألف وفروعها
مكتبة ليلى وسط البلد
مكتبة الحلم وسط البلد
مكتبة قلمي
مكتبة اقلام عربية
مبتدأ بوك ستور
شارع القاضي الفاضل - وسط القاهرة .
بجميع فروع مكتبات ديوان
الزمالك
159 شارع 26 يوليو 01222407084
177 شارع 26 يوليو 01228611066
هليوبليس
105 شارع ابو بكر الصديق 01226000168
مساكن الشيراتون 01098887328
المعادى
ا ش 254 01098887326
الاسكندريه
الشاطبى 01226000169
الغردقه
سنزو مول
01229500579
الدقي
مكتبة الأزهري شارع التحرير الدقي أمام كلية التربية .
المعادي
تويا بوك ستور
٣٥ شارع النصر
المنصورة:
مكتبة الشوبري - شارع جيهان أمام الجامعة
المحلة الكبري
مكتبة إدراك
شارع شكري القوتلي خلف البنك الاهلي المحلة
اسكندرية:
مكتبة فكرة سان ستيفانو
كتابك بوك كافية - شارع نجع حمادي
دمياط:
ألفابتكا - مقابل قصر الثقافة
طنطا :
المكتبة القومية
شبين الكوم :
مكتبة أنتيكا
أسيوط:
مكتبة ومضة
سوهاج
مكتبتي بوك ستور سوهاج - طهطا شارع 15 امام مجمع الانصارى
المملكة العربية السعودية
مكتبة جرير بفروعها بمدن المملكة الرياض - بريدة - عنيزة - الخبر - الدمام - الظهران - الأحساء - الجبيل - جدة - مكة المكرمة - الطائف - المدينة المنورة - ينبع - خميس مشيط - حائل - جازان وفروعها بدولة قطر - الكويت والإمارات العربية المتحدة .
الإمارات العربية المتحدة:
مكتبة زين المعاني
مملكة البحرين
المكتبة الوطنية وفروعها المنامة - المحرق
فلسطين :
مكتبة الهدى

تعليقات فيس بوك