كانت ليلة من
ليالي شتاء القلب الباردة، انكمش فيها القلب من رطوبة قارصة أحدثتها وحدته في
أطرافه وأعماقه، فتركته (قلب أزرق) ليس به من الحس ليشعر بغيرها، ولا من الدم
ليعيش بعدها.
فإن كانت الروح هي
مادة الحياة لهذا الجسد، فإنها (هي) ماده هذه الروح وحياتها ونورها.
وكان الليل مطبق
بلا نجم ولا قمر، فبدت السماء - كنفسي- كعين كحيلة أرّقها الحزن وأدمعها، فسال في
وجهها دمع أسود فترمد، فلم يبق فيها ثمّ ضوء إلا خطوط نهار مضي .. أو ذكري حياة ولّت.
وهذه الأوقات لا
تمر بذهاب ساعة فساعة، ولكن بالتألم لذكري بعد ذكري، حتي إذا بعُد الفكر في غور
الزمن الماضي، وأمعن - قسرا- في استحضار صور بيننا؛ أشفق علىّ الليل وتركني.
وما لبث الليل أن
يمر حتي أتت .. وأنا ساجي العين أترقّب وصولها مع يأسي منه، وهل تأتي بعد كل هذا
الوقت!
وما هو الوقت وكيف
يحسب!
إن غضبة واحدة
منها تدفع العمر للأمام سنين عديدة، أما حين تَرق، ويداعبها الشوق فتبتسم .. تُكتب
للنفس حيوات مديدة ..
فلا يجري الوقت
على قلب العاشق كما يجري على غيره، إذ أن عمره لا يمضي بمرور يوم بعد يوم ولا سنة
فسنة، ولكن بلقاء فلقاء .. وقبلة فقبلة.
فهو لا يعنيه كم
مرّ من عمره بحساب السنين والأيام، بل كم مضي عليه وهو بين يديها الدافئة تلمس
قلبه الملتاع بأناملها فيهدأ.
فلا تذكروا لي كم
عمري لتغيُّر وجهي وتلون شعري، بل سلوني كم خفقة انتفض بها القلب لرؤية حبيب أو
للمسته وضمّته .. فذاك سنّي وعمري.
جاءت مشرقة كأنها
نهار فاجأ الليل الكئيب فبدده، وبدت لعيني بدر مكتمل يتهادي بين نجومه وشُهبه،
فيتطاير الحسن منها كما يتطاير الشرر من كتلة لهب حارقة.
وإنها لحارقة
بفتنتها ودلّها وطلعتها، فكأن المرأة كتابا وهي غلافه وعنوانه، أو كأنها امرأة
أُفرغ فيها جمال الأنوثة ومعاني الأنوثة حتي أصبحت دليلا على الجمال في الفكر
والخيال الإنساني.
والمرأة إن زاد
جمالها اتقد فيها حتي تغلي أنوثتها بداخلها وتفور، فتظل بداخلها كمرجل يتأجج يلتهم
أعصابها وهي بانتظار لمسة هادئة باردة على كل هذا الجحيم الأنثوي فتبدده وتسكن ..
وما أراها الآن
إلا ملتمسة تلك اللمسة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق