الاثنين، 18 مارس 2013

قال: من حمص ...

علي احدي مقاهي القاهرة ، وقف امام عيني يستعطفني شيئا ، فسألته من اين أيها الصغير الجميل؟ 
قال: من حمص ...
وكأنها ككلمة الموت اذا حلت بمعانيها على جسد ضعيف كسكرات مجهدة.
وقف أمام عيني كأطلال طفل يحمل معني الخراب والدمار ، يتسربل ثوب التشرد والشتات والغربة ، وكأن القدر أراد أن يرسل للإنسانية معني المأساة ، وأراد أن تدرك المعني المراد والفهم عنه ، فتجسدت هذه الكلمة في طفل سوري مشرد ، بعيد بعد الخافقين عن لعبته وفناءه ...

ليس بعد المكان والزمان ، ولكن بعد الواقع المرير الذي فضح الانسانية في اشرف فضائلها ، وهي الشعور الصادق والاحساس المدرك لمأساة طفل مسكين ...
وأظن لو ان الحقيقة أشرقت على الانسانية من احدي وجوهها ، فبرزت سافرة للبشرية على موقفها من هذا الطفل لأيقنت أن اصلها قرد تطور الي ذئب كاسر.
وأمكنني النظر الي قلبه من خلال عينيه الحائرة المضطربة ، فوجدت بيتا مظلما ، يتوسطه شيخ مسن ، قد وهن عظمه وغضنت أوصاله ... ورأيت دموعه في قلبه ككتل من جليد متحجرة لا يقوي على ذرفها لأن شموس الأمل لا تشرق عليها، أو لان الانسانية قد شبّت عن معانيها ، فلم تر في هذا الطفل أكثر مما يري الجلف الشره في حيوان يذبحه.
ويا لها نظرة لمن يدرك ويفهم ، انها نظرة تبعث في القلب سجدة تستعطف خالقه وتسترضاه وترسل من عين القلب دمعه سخينة حزينة مؤسفة مخزية لو مزجت بمياه الدنيا لمزجتها ، ولو أرسلت في اودية الطبيعة وجداولها ، لاستحالت أفنانها وأشجارها خشب خاو على ساقه.

لم تعد الانسانية مقدسة بعينيه ، سقطت القدسية الطاهرة من اعلى مآذنها الى اقذار الخلاء الاخلاقي في نفس هذا الطفل ، ولم يعد فيها معني يصل بينهما من اى وجه كان من حيث انه انسان ...
ولا يري في عينيه الطبيعة الانسانية التي بنيت على العطف والحنوّ والرحمة معني يصل بينهما من اى وجه كان من حيث انه طفل ...
ايتها الانسانية الجاهلة التي لا تصلح الا كتمثال في متاحف الموتي ، ادركي انكي بعيني هذا الطفل المسكين عارية قد بدت سواتك سافرة منفرة.
أي سياسة تلك التي تبيح للإنسانية مشاهدة الطفولة وهي تعذب ، ورؤية الطهر والنقاء وهو يهدر ، والبراءة والوداعة وهي تنتهك ، والبسمة الطفولية وهي تسفك دون حركة لمنع هذا الغضب الغاشم ...؟
أي سياسة ارتضي ضميرها أن يفقد هذا الطفل فراشاته في حديقته ، وضحكته في قلبه ، مقابل علاقة دبلوماسية وقحة ...؟

انت ايها الطفل المسنّ .. انت ايها الشيخ الصغير .. انت ايها الماضي الاليم لمستقبل اشد الما بذكراك ..
انت العار الذي يتقيه دعاة الديمقراطية اينما كانوا وايما فعلوا – انت الذنب الذي لا يغفر بالتوبة المنافقة ولا بالايواء السخيف ...
انت السبة التي سيتقاذفها ويتحاشاها اخوانك في كل مكان وفي كل زمان سيأتي بعدك ...
تجهز عليك الان الانسانية ايها البيت الخرب – فقط – من اجل الدبلوماسية.
أيتها الانسانية ... ابكي بكاء الظالم وقت العقاب ، وتحسري حسرة المذنب عند الحساب ، فسيظل هذا الطفل أمد الدهر ... عارك الذي لن يجف من ثوبك الرمادي ...

عبد الحميد بشارة

هناك تعليقان (2):

  1. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    مليون مبروك تدسينكم مدونتكم على بلوجر
    نتمنى لكم الرقي والتقدم لتعم الفائده على الجميع
    ويسعدني التواجد هنا وقراءة مايخطه قلمكم الراقي
    وفكركم الراقي من موضوعات انسانيه عليا
    فدمتم سيدي بكل الخيرات
    موفق بعون المولى الكريم
    كل تحياتي
    المسحراتي

    ردحذف
    الردود
    1. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته اخي الكريم
      بارك الله فيك ، لكم يسعدني انا تواجدك اخي الفاضل
      وشكرا جزيلا على هذا المرور الطيب
      كن دائما بخير
      تحياتي

      حذف

تعليقات فيس بوك